تقافة السلامة .. سلوك ومظهر يعكس قناعة واعتقاد على أسس سليمة
الكيميائي/ أسامة أحمد عباس مدني - يكتب
"لاشــك أن بنــاء الإنـسـان وتنـوير الـعقـول وتـكويـن الشـخصـية عـلى أســس ســليمة يعـد الـمحـور الأســاسـي في أي جـهود للــتقدم وتنـمية الـمجـتمعـات وهـو مـا وضـعتـه الـدولـة هـدفا لـها في الـمرحـلة الـحالـية" .. الـرئيـس عـبد الـفتـاح السـيسـي في الاحتـفال بالـمولـد الـنبـوي الـشـريف 1440هـ - 2018م .
لاشك أن كلمات السيد الرئيس نابعة عن تشخيص دقيق لمتطلبات التقدم والتنمية في المجتمع الذي لا ينفصل بأي حال من الأحوال عن المجتمعات الصناعية والانتاجية والتي تتطلب بناء العامل وتنويره بمجموعة من الثقافات على أسس سليمة يستطيع من خلالها أن يكون محركا للتقدم والتنمية.
ثـقـافة الســلامة اصــطـلاح يعـتـريـه شيئ من الـغـموض حـتى عـلي بعــض الـمتخصــصين بـمجـالات الــسلامة لذلـك خصصت هذا المقال لســرد الـحـقائق المرتبــطة به وتأريخ استـحــداثـه في محاولة متواضعة للمساهمة في استيعاب تطور الفكر الانساني .. وقد تـم خـلال المـقالات السابقة عـرض مـؤشـرات أداء الســلامة لعـام 2017 الصــادرة عن الـمنـظـمة الدولـية لمنتــجي البــترول والـغاز ومحــاولة إلقاء الضوء على عـوامـل القصـور ذات التكرارية العالية الـتي أدت إلي حـوادث بالشركات الاعضاء بالمنظمة والـتي كان ضـمنها تــدني مســتويات ثـقافة الـسـلامة.
يعد عقد السبعينات عصر تبللور التشريعات والقوانين الملزمة الخاصة بالسلامة .. ففي ديســمبر من عـام 1970 صـدق الرئيـس الامريــكي ريتشــارد نيكسـون عـلي القـانون الفيــدرالي للسـلامة المهـنية والصــحة OSHAct ليــلزم أصــحاب العــمل والحـكومة الفيـدرالـيـة باتخــاذ ما يـلزم من اجـراءات للتــأكد من توفيـــر بيــئة عـمـل آمنـة خالــية من المخــاطـر، ولـحـق به في عــام 1974 قانــون الصــحة والســلامة في العــمـل HSWAct ليـحـدد البنــية الأســاسية والســلطة لتشــجيع وتـنـظيم وإنـفـاذ معاييــر الصــحة والســلامة بـمكان العمــل داخــل المملكة المتحدة، وحذت أغلب حــكومات العالم على نفس الحذو في اصــدار القوانيــن التي تضــع المعاييـــر الفنية والهندســـية والإداريــة التـي توفــر بيــئة العــمل الآمنة ووضـــع آليـــات التفتيــش والرقابــة عليــها ومن بينها مصر بإفـراد البــاب الخــامس من قــانون العــمل رقم 137 لســنة 1981 لهذا الغــرض وتضــمن 24 مادة ليعكس الاهتمام المصري بتشريعات وقوانين السلامة في تلك الحقبة،
وذلك إلى أن قام جــون ريـمنــجتون – مديــر عــام هيـــئة الصـــحة والســلامة البريــطانيـــة Health and Safety Executive; HSE – في عـــام 1988 بالإدلاء بشـــهادته أمـام جــهات التـحقيــق في حـــادث بايـــبر ألفـــا، ليرســي خلالها اصــطلاحا جــديدا في عــالم الســـلامة المهنــية والصــحة وهــو ثقــافة الســـلامة بالمنشـــأة Organisation Safety Culture وكـان ذلـك المبــدأ إيـــذانا بميــلاد حقبــة جديـــدة في معاييـــر الســـلامة لتعــاد كـافة الحســابات ويـعــاد صيــاغة القوانيــن والاشـــتراطات الخاصـــة بالســـلامة ليــس علي المســـتوى البريطـــاني فحســب ولــكن علي المســتوى العــالمي عــامة وعلي صــناعة البترول العـالميــة بشــكل خــاص.
وقـد اتفـقـت الهـيئات الـعالـمية المهتمة بالـسلامة عـلي تـعـريـفـا شــاملا لـثـقـافـة الـســلامة بمؤســسة ما على أنــها؛ "نتــاج لقيــم ومنــاحي ســلوكية وأعـراف مهنــية وتأهـيل وقـناعات متـعـارف عليــها بشـكل فــردي وجـماعي تحــدد أســلوب واحـترافـية التـفاعـل والتـعاطـي مع التــزاماتهم تـجاه الأمــور المتــعلقة بالســلامة المهنــية والصــحة" .. وقـدمـت أيضـا تعــريفا للمؤســـسات التي تتـمتـع بثـقافة إيـجابيـة للســلامة عـلى أنـها "تتميــز بمسـتوى عـالي من الثـقــة المتــبادلة في العــلاقات الوظيــفية والتنـظيميــة، وتصــور جــماعي متـــميز لمدى أهميــة الســلامة، وعلى يقيــن من فـاعـليــة الإجــراءات والتدابيــر الوقــائية التـي يتـم إقـرارها".
والحـقيـقة انقســمت آراء خــبراء الســلامة ما بيــن فريـق يـرى أن الكثــير من المؤســسات التي نشــأت بــها ثـقـافة متــميزة للســلامة كـان ذلك بتحفيز ودفــع مســتمر من الإدارة العـليـا مع مســاهمة متــواضــعة من العــمـالة، وفريــق آخــر يــرى أن التغيــير الإيـجــابي قـد ظـهر بالمؤسـسات بـفــعل القــوانيــن الصــارمـة التي تُحــمل أصــحاب العــمل بالمســئولية وتـوقع المخــالفــات والأحــكام القضــائية ضــد شــخص صــاحب العــمل .. ولــكن مع نضوج فكر السلامة وتطوره تم الاستقرار على أن نشـــوء ثــقافــة ســلامة متــميزة تتــطلـب مشــاركة جــماعية من كــافة المســتويات الوظيــفية بالمؤسسة من أعلاها لأدنــاها في منــظومة إدارة ناجــحة ومتـكامـلة .. تُبــنى على تــوفـر قيــم وســلوكـيات جــماعيـة تعكــس الالتــزام بمعــايير واشــتراطات الســلامة، نابعة عن معتــقد راســـخ أن المعاييــر الموضـــوعة للســلامة ســـتؤدي دورها بنــجاح .. وقناعة أكيدة أنه ســيتم اتــباعها بــدقة كأولـوية أولــى تســبق كـافـة أولــويات العمل الأخــرى مثـل ترشــيد النفـقات أو الإنـجاز الســريع .. وهنـا أتـذكـر افتـتاحية دعـوة الـسـيد الـمـهنـدس/ طـارق الـمـلا وزيــر الـبـترول والـثروة الـمعدنية لـيوم الـسـلامة بـقـطاع الـبـترول العام الماضي التي يؤكد فيها "أن ضـمان صــحة وســلامة موظـفيـنا وأصــولنا والبيــئة الـتي نعـمل بـها تتصـدر قائــمة أولـويـاتــنا" ، والــتي تتــفق مـع رؤية كــبار الرؤساء التنفيذين للــكيانات الـبــترولية الـعمـلاقة مـثل؛ روبــرت مـاكّي، بشــركة كونــوكو فيلبس بمـقولـتـه الشــهيرة "إن الســلامة من دون أدنــى شــك هـي أهـم ما يـمـكن أن نسـتثـمر به ولا مـكان للســؤال عما ســتكلـفه ولـكن يجـب أن يكــون الســؤال عن قيمـة مـا ســتُمكنـنا من الاحـتفـاظ به ســالماً." وتعتبر مثل تلك التصريحات إيذانا بالاهتمام بالسلامة وتعهدا ودعما قويا للمستويات الوظيفية الأقل للارتقاء بثقافة السلامة.
وببـســاطة فـي ضــوء ما ســبق ســـرده .. بـعــد ســاعـات معــدودة مـن التـواجـد بأي مـكان عـمل ورصــد الأحــداث والـســمات الـمـميزة للــمكان والســلـوكيات الـغالـبة مـن الافـراد والـمناقــشـات مـع مســتـويات وظـيـفـيـة مخــتلـفـة.. يـمكـنـك أن تـقيــس مســتـوى ثــقـافة الــسلامة لـتقـرر بـعـدها إلى أى مـدى يـحـمل هذا الـمـكان ثـقـافـة إيـجـابية للســلامـة .. وللموضوع بقية في حلقات أخرى بمشيئة الله.
الكيميائي/ أسامة أحمد عباس مدني - يكتب
"لاشــك أن بنــاء الإنـسـان وتنـوير الـعقـول وتـكويـن الشـخصـية عـلى أســس ســليمة يعـد الـمحـور الأســاسـي في أي جـهود للــتقدم وتنـمية الـمجـتمعـات وهـو مـا وضـعتـه الـدولـة هـدفا لـها في الـمرحـلة الـحالـية" .. الـرئيـس عـبد الـفتـاح السـيسـي في الاحتـفال بالـمولـد الـنبـوي الـشـريف 1440هـ - 2018م .
لاشك أن كلمات السيد الرئيس نابعة عن تشخيص دقيق لمتطلبات التقدم والتنمية في المجتمع الذي لا ينفصل بأي حال من الأحوال عن المجتمعات الصناعية والانتاجية والتي تتطلب بناء العامل وتنويره بمجموعة من الثقافات على أسس سليمة يستطيع من خلالها أن يكون محركا للتقدم والتنمية.
ثـقـافة الســلامة اصــطـلاح يعـتـريـه شيئ من الـغـموض حـتى عـلي بعــض الـمتخصــصين بـمجـالات الــسلامة لذلـك خصصت هذا المقال لســرد الـحـقائق المرتبــطة به وتأريخ استـحــداثـه في محاولة متواضعة للمساهمة في استيعاب تطور الفكر الانساني .. وقد تـم خـلال المـقالات السابقة عـرض مـؤشـرات أداء الســلامة لعـام 2017 الصــادرة عن الـمنـظـمة الدولـية لمنتــجي البــترول والـغاز ومحــاولة إلقاء الضوء على عـوامـل القصـور ذات التكرارية العالية الـتي أدت إلي حـوادث بالشركات الاعضاء بالمنظمة والـتي كان ضـمنها تــدني مســتويات ثـقافة الـسـلامة.
يعد عقد السبعينات عصر تبللور التشريعات والقوانين الملزمة الخاصة بالسلامة .. ففي ديســمبر من عـام 1970 صـدق الرئيـس الامريــكي ريتشــارد نيكسـون عـلي القـانون الفيــدرالي للسـلامة المهـنية والصــحة OSHAct ليــلزم أصــحاب العــمل والحـكومة الفيـدرالـيـة باتخــاذ ما يـلزم من اجـراءات للتــأكد من توفيـــر بيــئة عـمـل آمنـة خالــية من المخــاطـر، ولـحـق به في عــام 1974 قانــون الصــحة والســلامة في العــمـل HSWAct ليـحـدد البنــية الأســاسية والســلطة لتشــجيع وتـنـظيم وإنـفـاذ معاييــر الصــحة والســلامة بـمكان العمــل داخــل المملكة المتحدة، وحذت أغلب حــكومات العالم على نفس الحذو في اصــدار القوانيــن التي تضــع المعاييـــر الفنية والهندســـية والإداريــة التـي توفــر بيــئة العــمل الآمنة ووضـــع آليـــات التفتيــش والرقابــة عليــها ومن بينها مصر بإفـراد البــاب الخــامس من قــانون العــمل رقم 137 لســنة 1981 لهذا الغــرض وتضــمن 24 مادة ليعكس الاهتمام المصري بتشريعات وقوانين السلامة في تلك الحقبة،
وذلك إلى أن قام جــون ريـمنــجتون – مديــر عــام هيـــئة الصـــحة والســلامة البريــطانيـــة Health and Safety Executive; HSE – في عـــام 1988 بالإدلاء بشـــهادته أمـام جــهات التـحقيــق في حـــادث بايـــبر ألفـــا، ليرســي خلالها اصــطلاحا جــديدا في عــالم الســـلامة المهنــية والصــحة وهــو ثقــافة الســـلامة بالمنشـــأة Organisation Safety Culture وكـان ذلـك المبــدأ إيـــذانا بميــلاد حقبــة جديـــدة في معاييـــر الســـلامة لتعــاد كـافة الحســابات ويـعــاد صيــاغة القوانيــن والاشـــتراطات الخاصـــة بالســـلامة ليــس علي المســـتوى البريطـــاني فحســب ولــكن علي المســتوى العــالمي عــامة وعلي صــناعة البترول العـالميــة بشــكل خــاص.
وقـد اتفـقـت الهـيئات الـعالـمية المهتمة بالـسلامة عـلي تـعـريـفـا شــاملا لـثـقـافـة الـســلامة بمؤســسة ما على أنــها؛ "نتــاج لقيــم ومنــاحي ســلوكية وأعـراف مهنــية وتأهـيل وقـناعات متـعـارف عليــها بشـكل فــردي وجـماعي تحــدد أســلوب واحـترافـية التـفاعـل والتـعاطـي مع التــزاماتهم تـجاه الأمــور المتــعلقة بالســلامة المهنــية والصــحة" .. وقـدمـت أيضـا تعــريفا للمؤســـسات التي تتـمتـع بثـقافة إيـجابيـة للســلامة عـلى أنـها "تتميــز بمسـتوى عـالي من الثـقــة المتــبادلة في العــلاقات الوظيــفية والتنـظيميــة، وتصــور جــماعي متـــميز لمدى أهميــة الســلامة، وعلى يقيــن من فـاعـليــة الإجــراءات والتدابيــر الوقــائية التـي يتـم إقـرارها".
والحـقيـقة انقســمت آراء خــبراء الســلامة ما بيــن فريـق يـرى أن الكثــير من المؤســسات التي نشــأت بــها ثـقـافة متــميزة للســلامة كـان ذلك بتحفيز ودفــع مســتمر من الإدارة العـليـا مع مســاهمة متــواضــعة من العــمـالة، وفريــق آخــر يــرى أن التغيــير الإيـجــابي قـد ظـهر بالمؤسـسات بـفــعل القــوانيــن الصــارمـة التي تُحــمل أصــحاب العــمل بالمســئولية وتـوقع المخــالفــات والأحــكام القضــائية ضــد شــخص صــاحب العــمل .. ولــكن مع نضوج فكر السلامة وتطوره تم الاستقرار على أن نشـــوء ثــقافــة ســلامة متــميزة تتــطلـب مشــاركة جــماعية من كــافة المســتويات الوظيــفية بالمؤسسة من أعلاها لأدنــاها في منــظومة إدارة ناجــحة ومتـكامـلة .. تُبــنى على تــوفـر قيــم وســلوكـيات جــماعيـة تعكــس الالتــزام بمعــايير واشــتراطات الســلامة، نابعة عن معتــقد راســـخ أن المعاييــر الموضـــوعة للســلامة ســـتؤدي دورها بنــجاح .. وقناعة أكيدة أنه ســيتم اتــباعها بــدقة كأولـوية أولــى تســبق كـافـة أولــويات العمل الأخــرى مثـل ترشــيد النفـقات أو الإنـجاز الســريع .. وهنـا أتـذكـر افتـتاحية دعـوة الـسـيد الـمـهنـدس/ طـارق الـمـلا وزيــر الـبـترول والـثروة الـمعدنية لـيوم الـسـلامة بـقـطاع الـبـترول العام الماضي التي يؤكد فيها "أن ضـمان صــحة وســلامة موظـفيـنا وأصــولنا والبيــئة الـتي نعـمل بـها تتصـدر قائــمة أولـويـاتــنا" ، والــتي تتــفق مـع رؤية كــبار الرؤساء التنفيذين للــكيانات الـبــترولية الـعمـلاقة مـثل؛ روبــرت مـاكّي، بشــركة كونــوكو فيلبس بمـقولـتـه الشــهيرة "إن الســلامة من دون أدنــى شــك هـي أهـم ما يـمـكن أن نسـتثـمر به ولا مـكان للســؤال عما ســتكلـفه ولـكن يجـب أن يكــون الســؤال عن قيمـة مـا ســتُمكنـنا من الاحـتفـاظ به ســالماً." وتعتبر مثل تلك التصريحات إيذانا بالاهتمام بالسلامة وتعهدا ودعما قويا للمستويات الوظيفية الأقل للارتقاء بثقافة السلامة.
وببـســاطة فـي ضــوء ما ســبق ســـرده .. بـعــد ســاعـات معــدودة مـن التـواجـد بأي مـكان عـمل ورصــد الأحــداث والـســمات الـمـميزة للــمكان والســلـوكيات الـغالـبة مـن الافـراد والـمناقــشـات مـع مســتـويات وظـيـفـيـة مخــتلـفـة.. يـمكـنـك أن تـقيــس مســتـوى ثــقـافة الــسلامة لـتقـرر بـعـدها إلى أى مـدى يـحـمل هذا الـمـكان ثـقـافـة إيـجـابية للســلامـة .. وللموضوع بقية في حلقات أخرى بمشيئة الله.